“ماس الدم”.. عيون الغرب على أحجار روسيا الثمينة

دفعت الحرب التي شنها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أوكرانيا العالم إلى إعادة التفكير بممارسات روسيا التجارية، لتبدأ الدول الأوروبية بتخفيف اعتمادها على النفط والغاز الروسيين، لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، بل امتد إلى قطاع آخر.. الماس.

فمنذ سنوات كانت روسيا أكبر مزود للماس الصغير في الولايات المتحدة، وهو المستخدم في صناعة الأقراط والأساور وخواتم الزواج.

ويستخرج الماس من المناطق المتجمدة شمال شرقي روسيا، واليوم، وبدأت الولايات المتحدة ودول أخرى باتخاذ إجراءات قد تساهم في تصنيف الماس على أنه “مرتبط بالصراعات”، وتقول إن مبيعاته تساهم في تمويل الغزو الروسي على أوكرانيا، وفقا لما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”.

ما هو “ماس الدم”؟

وفي رسالة بشهر مايو إلى مجلس إدارة منظمة “كيبمرلي بروسيس”، التي أسستها الأمم المتحدة لمنع تدفق الماس المخصص لدعم الصراعات، قال جورج سيجاتي، المسؤول في الخارجية الأميركية إن “العائدات من ذلك الإنتاج تعود بالنفع على الدولة ذاتها التي تشن حربا مقصودة غير محفزة باستفزاز، وغير مبررة”.

وانضم الاتحاد الأوروبي وكندا ودول غربية أخرى، بالإضافة إلى أوكرانيا والعديد من المنظمات الناشطة، في دعوات مماثلة للمنظمة، لاعتبار الأحجار الكريمة الروسية “ماسا يدعم الصراعات”، وهو المعروف باسم “ماس الدم” (blood diamond).

وكانت الأمم المتحدة أنشأت منظمة “كيمبرلي بروسيس” في ظل تمويل مبيعات الماس للحرب الدموية في سيراليون، وتعرف المنظمة هذه الأحجار بأنها “الماس الخام الذي تستخدمه الحركات المتمردة أو حلفاؤها لتمويل الصراع الذي يهدف للقضاء على الحكومات الشرعية”.

لكن الصحفية تؤكد أن وصف “الحركات المتمردة” لا ينطبق الآن على روسيا، مشيرة إلى أن المسؤولين الروس يعارضون وضع الماس الذي تنتجه دولة بعينها تحت هذا التصنيف، ويعتبرون دعوات الغرب للمنظمة “غوغائية سياسية”، وفقا لبيان نقلته الصحيفة عن وزارة المالية الروسية.

وتعتبر هذه الأحجار الكريمة أبرز صادرات روسيا قيمةً خارج قطاع الطاقة، وجلبت 4.5 مليار دولار في الصادرات، العام الماضي، وفقا لبيانات الحكومة الأميركية.

وكان صناع المجوهرات في الولايات المتحدة ركزوا على استيراد أحجار الماس القادمة من روسيا، خوفا من احتمال أن تكون تلك القادمة من مناجم أفريقية، حتى وإن كانت بعيدة عن مناطق النزاع، ملطخة بسمعة دعم الحروب.

وذكرت الصحيفة أن الجدل بشأن الماس الروسي سلط الضوء على محاولة تقويم تجارة الماس العالمية، البالغة 80 مليار دولار، وهو قطاع أمضى أعواما للحصول على تقييم “كيمبرلي بروسيس” للتأكيد للزبائن من أن أحجارهم تأتي من مصادر أخلاقية ومشروعة.

ويقول الخبير البارز في المجوهرات، مارتن رابابورت، للصحيفة الأميركية إن الماس الأخلاقي لا وجود له، بسبب العديد من الثغرات والعوائق.

وبالنسبة لروسيا، يقول المسؤولون إن الماس يواكب المعايير البيئية والاجتماعية والإدارية حتى قبل اشتهاره حول العالم، كما أن مبيعات هذه الأحجار الكريمة ساهمت في انتعاش أجزاء نائية من البلاد، قرب منطقة اسمها “ياكوتيا”.

وذكرت وزارة المالية الروسية في بيان نقلته “نيويورك تايمز” أن عائدات الماس ساهمت في تعبيد الطرق وبناء المدارس والمستشفيات، مشيرة إلى أن الدفعات تصل منظمات أو شركات خاصة.

وأضافت “أسلوب حياة مليون شخص في ياكوتيا يعتمد كليا على استقرار تنجيم الماس بالمنطقة”، إلا أن الأوكرانيين يرون أن الماس يدعم الغزو الروسي لأراضيها.

وقال فلاديمير تتارينتسيف، نائب مدير المركز الأوكراني للأحجار الكريمة، التابع لمنظمة “كيمبرلي بروسيس” إن “الماس الروسي يساهم في تمويل الحرب التي تشنها الفيدرالية الروسية ضد أوكرانيا، وهذا ما يجعل الماس ليس مرتبطا بالنزاع فحسب، بل دمويا أيضا”.

عقوبات أميركية استهدفت عملاق التعدين الروسي “Alrosa”

وبعد استخراج الماس من الأرض، يتم شحن معظمه إلى الخارج لصقله، بغض النظر عن مكان تعدينه. وينتهي الأمر بأكثره إلى مراكز الصقل في الهند، التي لا تفرض حظرا على الماس الروسي.

وتقول الصحيفة إنه بمجرد تحويل الماس وتجهيزه للشحن، يتغير أصله، فلا يعود الماس المستخرج في روسيا من أصل روسي؛ بل يتم تصنيفه على أنه هندي.

ومنذ اعتداء موسكو على أوكرانيا في فبراير الماضي، بدأ تجار المجوهرات الكبار، مثل تيفاني، في مقاطعة الماس الروسي. ورفعت شركة “De Beers” جهودها لتتبع الأحجار الكريمة عبر سلاسل التوريد.

ومؤخرا، استهدفت عقوبات أميركية عملاق التعدين الروسي “Alrosa”، المملوكة بالأغلبية من قبل الحكومات الفيدرالية والإقليمية الروسية، وحظرت وزارة الخزانة الأميركية على مواطنيها التعامل معها، كما اتخذت كندا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وجزر الباهاما إجراءات مماثلة.

لكن المنتقدين قالوا إن الحظر فشل في سد الثغرة وترك الباب مفتوحا أمام احتمال أن الشركات التابعة لـ “Alrosa” لا تزال قادرة على إيجاد طريقة للحصول على الماس الذي يتم قطعه وصقله في الخارج إلى الولايات المتحدة.

وأشاروا إلى أنه في حين أن الولايات المتحدة هي أكبر سوق للماس الروسي، لا يزال بإمكان “Alrosa” بيع الماس بحرية في الأسواق الرئيسية الأخرى مثل الصين، التي لم تتخذ أي إجراء ضد الأحجار الكريمة الروسية.

Follow Us: 

الحرة

Leave A Reply